في ظل التطور المستمر الذي تشهده الصناعة النفطية العالمية، والحاجة إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في هذا المجال، وسعي الكويت لأن تكون في صدارة المشهد على الدوام، جاء انعقاد المؤتمر والمعرض الدولي السادس للصحة والسلامة والبيئة للمرة الأولى في الكويت ليؤكد على أهمية الدور الذي تضطلع به دولة الكويت في كل ما يتعلق بالصناعة النفطية.
وشكل انعقاد المؤتمر في الكويت مؤشراً إضافياً على الأهمية التي تعلقها البلاد على الارتقاء بأجواء العمل الآمنة بهدف توفير أقصى درجات السلامة للإنسان والبيئة على حد سواء، لا سيما أنه حمل شعار "تحقيق التميز في الأعمال من خلال ثقافة الصحة والسلامة والبيئة"، في ظروف تشهد فيها السوق النفطية الكثير من التحديات التي تفرض عليها التكيّف معها كي تضمن النمو والاستدامة.
ولا حاجة للتذكير هنا بأن شركات القطاع النفطي في الكويت تضع نصب أعينها الارتقاء بأساليب العمل على نحو يضمن نشر ثقافة السلامة والصحة في المجتمع على وجه العموم، ولدى موظفيها على وجه الخصوص، وذلك عبر تطوير السلوكيات والأخلاقيات المهنية.

فرصة ثمينة للصناعات المختلفة
انطلقت أعمال المؤتمر في نسخته السادسة، والذي استضافته مؤسسة البترول الكويتية بالتعاون مع الاتحاد الخليجي للتكرير، في فندق جميرا المسيلة بحضور كثيف ولافت من مسؤولين وضيوف ومستشارين وخبراء ومدعوين ومهتمين تجاوز عددهم ألف شخص، وكان في مقدمتهم معالي وزير النفط ووزير الكهرباء والماء بخيت الرشيدي، والرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية نزار العدساني، والرئيس التنفيذي لشركة نفط الكويت جمال عبدالعزيز جعفر، والرئيس التنفيذي لشركة البترول الوطنية الكويتية رئيس المؤتمر محمد غازي المطيري.
وفي كلمة الافتتاح، رحب الوزير الرشيدي بالحضور، معرباً عن حرص القطاع النفطي في الكويت على الالتزام بالشروط والمعايير التي تحقق الصحة والسلامة. واعتبر الوزير هذا المؤتمر حدثاً مميزاً على الأصعدة الملحية والإقليمية والدولية، مشيراً إلى أن الهدف منه هو الارتقاء بأجواء العمل كي توفر أقصى قدر من السلامة للإنسان والأصول والبيئة. ولفت الوزير إلى أن المؤتمر يشكل فرصة ثمينة لأطراف الصناعات المختلفة كالنفط والغاز والنقل والطيران والصحة ليلتقوا ويحددوا التحديات والمستجدات التي تواجههم.
وإذ أعرب الوزير في كلمته عن سعادته باستضافة الكويت لهذا الحدث العالمي المهم، فقد أكد أن شركات القطاع النفطي تضع مصلحة المجتمع والبيئة في قمة أولوياتها في إطار السعي لنشر ثقافة الصحة والسلامة، وذلك بغرض نشر الوعي الصحي والبيئي ليصبح ثقافة راسخة عبر السلوكيات والأخلاقيات والقيم المهنية، وهو ما يعني إضافة قيمة جديدة للشركات.
سعي لتبني أفض الممارسات
من جهته، أكد الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية نزار العدساني في كلمته أن تطوير الأعمال يحتاج إلى اعتماد ثقافة الصحة والسلامة الاستباقية التي تركز على الوقاية من الحوادث بدلاً من ثقافة رد الفعل على أساس إدارة التكاليف والآثار بعد الحادث.
وشدد العدساني على ضرورة ضمان الامتثال المطلق لمعايير السلامة العالمية، والسعي إلى تبني أفضل الممارسات للشركات بأنواعها لتغيير تركيز استراتيجيات السلامة الخاصة بها من "السيطرة على ظروف وأسباب الحوادث" التقليدية إلى التكامل في ممارسات إدارة المخاطر كجزء من الأنشطة اليومية.
وأعرب عن فخر المؤسسة برؤية 2040 التي تدعو إلى تحقيق التميز في مجال الصحة والسلامة والبيئة، موضحاً أن التوجهات الاستراتيجية لمؤسسة البترول تركز على ضرورة الالتزام بالمعايير والشروط الوطنية والدولية لتعزيز نظم إدارة الصحة والسلامة والبيئة وتوحيدها، وقياس ومراقبة أداء الشركات التابعة، فضلاً عن وضع برامج تستهدف منع الحوادث وإدارة خفض انبعاثات الغازات الناتجة عن عمليات المؤسسة، مضيفاً أن الاستراتيجية ترمي كذلك إلى بناء المعرفة والوعي والقدرات في مجال الصحة والسلامة والبيئة.
وأشار إلى أن ارتفاع معدل حرق الغاز في عمليات المنبع داخل الكويت يعد من أهم التحديات التشغيلية التي لها آثار بيئية واقتصادية، موضحاً أن استراتيجية المؤسسة تحث على الحد من حرق الغاز وتقليل الانبعاثات لتلبية الشروط والمعايير الدولية.
كما لفت إلى أن المؤسسة خصصت "ملايين الدولارات" ضمن تطوير المشاريع الحالية والمستقبلية لتحقيق الريادة في المحافظة على الصحة والسلامة والبيئة.
وأفاد بأن مجلس إدارة المؤسسة اعتمد إجراءات البدء بتنفيذ مشروع "الدبدبة" للطاقة الشمسية، والذي يأتي إنشاؤه تتويجاً لجهود المحافظة على البيئة، معرباً عن الفخر بتحويل المباني التابعة للمؤسسة وشركاتها إلى مبانٍ صديقة للبيئة.
خفض النفقات ودمج القدرات
وفي كلمته أمام المؤتمر، أكد الرئيس التنفيذي لشركة البترول الوطنية الكويتية محمد غازي المطيري أن تلبية الطلب المتزايد على الطاقة ينطوي على درجة عالية من الخطر، مشيراً الى أنه من خلال اليقظة والانضباط والسلامة يمكن إيجاد طرق مبتكرة لإدارة المخاطر.
وأوضح المطيري أن المسؤولية الاجتماعية والاقتصادية تتطلب التركيز على خفض النفقات ودمج القدرات، مع الحفاظ على بيئة عمل آمنة وصديقة للبيئة، بهدف الوصول إلى أفضل مزيج من الإنتاجية وتعظيم الربحية نحو تنمية مستدامة.
ورأى أن المؤتمر نجح في بناء سمعة طيبة باعتباره منصة فنية للتواصل والاطلاع على أحدث التطورات في عالم الصحة والسلامة والبيئة، مؤكداً أن ممارسات الصحة والسلامة والبيئة تشكل مسألة حيوية في كل الصناعات لا سيما في قطاع النفط والغاز، كونها المحرك الأساسي للاقتصاد الكويتي.
ولفت الى أن منطقة الشرق الأوسط لم تتوقف عن الترويج لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع في سبيل الحد من انبعاث غازات الدفيئة، وفي دعم الاقتصاد من خلال إيجاد الوظائف ودعم الاستثمار في القطاع الخاص.
وحول ما يجري العمل عليه في الكويت من مشاريع في هذا الإطار، أشار المطيري إلى "مشروع الشقايا" للطاقة المتجددة، ومنشأة "فراسان" للطاقة الشمسية في السعودية، ومشروع "مدينة مصدر" للطاقة في الإمارات، معتبراً أن ثقافة الصحة والسلامة والبيئة تبدأ بالريادة التي تقود السلوك الذي بدوره يؤسس ثقافة الشركات.
دور مفاهيم الصحة والسلامة
بعد ذلك افتتح الوزير الرشيدي، يرافقه عدد من الضيوف، المعرض المرافق للمؤتمر الذي شاركت فيه عشرات الشركات والوزارات والهيئات المختلفة، وعرضت أحدث منتجاتها وخدماتها في مجال الصحة والسلامة والبيئة.
ومن ثم عقدت جلسة نقاشية عامة لقيادات نفطية حول ثقافة الصحة والسلامة والبيئة في الشركات والمؤسسات، وكيف يمكن أن تؤدي إلى الريادة والتميز في مجال الأعمال، شارك فيها الرئيس التنفيذي لشركة نفط الكويت جمال عبدالعزيز جعفر، والشيخ محمد آل خليفة الرئيس التنفيذي لشركة "بناغاز" البحرينية، وجيم أندروز مسؤول الصحة والسلامة والبيئة في شركة "شلمبرجير"، وبرنارد بنتال الرئيس التنفيذي لعمليات التكرير في شركة "توتال"، وسوبرامانيان سارما الرئيس التنفيذي لشركة L&T لهندسة النفط والغاز.
واستعرض المشاركون في الجلسة التي أدارتها تيريزا بودوورث الرئيس التنفيذي للمجلس الوطني البريطاني لامتحانات السلامة والصحة المهنية NEBOSH، أفكارهم حول الدور الذي تلعبه مفاهيم الصحة والسلامة والبيئة في توفير بيئة عمل آمنة وإنجاز الأهداف وتبادل أفضل الممارسات والأفكار حول فهم العمليات الدينامية لتطوير مثل هذه الثقافة القوية.
ورقة عمل نفط الكويت
وإضافة الى الجلسة التي شارك فيها الرئيس التنفيذي، شاركت نفط الكويت بفعالية في جلسات العمل الأخرى، وكان أبرزها عن طريق فريق عمل السلامة الذي قدم رئيسه يوسف القلاف ورقة عمل فنية حول "مبادرة شركة نفط الكويت لتطوير إجراءات السلامة على الطرق".
وسعى القلاف في الورقة إلى رصد وتحليل حوادث السيارات على الطرق في الشركة، واستراتيجيات التحكم، والحد من الإصابات والوفيات الناجمة عن حوادث الطرق، حيث ركزت الشركة في استراتيجيتها على تطبيق سياسة القيادة الآمنة، ونشر الوعي بين الموظفين والمقاولين، وتطوير الطرق وتزويدها بالعلامات الإرشادية والتحذيرية والإضاءة، وتزويد المركبات بوسائل المراقبة الذاتية، وتوضيح العائد على الشركة المتمثل في تقليل نسبة حوادث السيارات والمخالفات المرورية.
أوراق وورش عمل ومحاضرات
وناقش المؤتمر على مدى ثلاثة أيام الإبداعات والاختراعات التي تعنى بتطوير بيئة العمل في مجال الصحة والسلامة والبيئة، وذلك من خلال زيادة المعايير البيئية والتطورات في الصناعة النفطية، إضافة إلى تحسين بيئة الأعمال كي تلعب دوراً رئيسياً في ضمان سلامة الموظفين.
كما ناقش تحفيز الموظفين والمقاولين على اتباع أعلى المعايير في الصناعة النفطية، ودور الحكومات في تأهيل وتدريب الكوادر بأعلى المعايير العالمية.
وتضمن برنامج المؤتمر مسارات رئيسية متزامنة هي مسار الصحة، ومسار السلامة، ومسار البيئة، واستعرض الكثير من القضايا التي تهم مختلف القطاعات في الصناعة النفطية وسواها، من خلال أوراق عمل ومحاضرات وورش عمل، مثل إدارة سلامة العلميات، والصحة المهنية، والاستدامة، وأفضل الممارسات، وأمن الطرق والنقل، وإدارة البيئة، وثقافة الصحة والسلامة، وتحديات الصحة والسلامة في إدارة المشاريع، وإدارة الطوارئ والأزمات، وكلها من جانب خبراء مختصين محليين ودوليين، هدفوا من خلالها إلى تثقيف المشاركين وتعريفهم بمزايا السياسات المتطورة والاستباقية، ونظم الإدارة الفعالة في مجال الصحة والسلامة والبيئة، وبذلك يكون المؤتمر قد وفر للمهتمين تغطية معمقة للمواضيع المتعلقة بتطوير ثقافة مستدامة للصحة والسلامة والبيئة.

في تصريح للصحافيين على هامش افتتاح المؤتمر، أكد وزير النفط ووزير الكهرباء والماء الكويتي بخيت الرشيدي أن التراجع الذي شهدته أسعار النفط خلال الفترة الماضية لا يعد انخفاضاً وإنما تصحيحاً للأسعار، مضيفاً أن أسعار النفط تأثرت بانخفاض الطلب الذي يحدث دائما في الربع الأول من كل عام بسبب أعمال الصيانة في المصافي وقرب انتهاء فصل الشتاء.
وأكد الرشيدي أن الكويت تستهدف إعادة التوازن لسوق النفط وليس الوصول إلى سعر معين للبرميل، متوقعاً أن تشهد الأسواق حالة من الاستقرار والتوازن حتى نهاية العام الحالي.
وحول إمكانية تأثر أسعار النفط بخصخصة شركة "أرامكو" السعودية، أوضح أن السوق الآن مستقرة وأن الكويت تبحث مع شركائها في "أوبك" وخارجها عن حلول للوصول الى سوق دائمة الاستقرار وقليلة التأثر بالعوامل الخارجية.
وفيما كشف الوزير عن أن المباحثات بشأن استيراد الكويت للغاز العراقي في مراحلها النهائية، متوقعاً أن يكون هناك اتفاق خلال أشهر، أوضح أن الكويت تبحث عن شريك استراتيجي يقدم قيمة مضافة لمصفاة "الدقم" التي تملكها الكويت مناصفة مع سلطنة عمان.
كادر 2 – أرقام وحقائق من المؤتمر
- جاء انعقاد مؤتمر الصحة والسلامة والبيئة الدولي السادس متزامناً مع المشاريع الكبرى التي تعكف الكويت على تنفيذها في مجال النفط والطاقة.
- عدد المشاركين في المؤتمر تجاوز ألف مشارك، في حين تجاوز عدد زوار المعرض، الذي يقام على هامش المؤتمر، خمسة آلاف زائر.
- بلغ عدد المتحدثين أكثر من 100 متحدث من نحو 20 دولة في مقدمتها الدول الخليجية، إضافة إلى دول من شبه القارة الهندية وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
- وصل عدد العارضين في المعرض المرافق للمؤتمر إلى 29 بين شركة ومؤسسة ووزارة وهيئة.