في كثير من الأحيان، يمتلئ مكمن النفط بكميات هائلة من النفط والغاز والمياه. عندما يمتلئ المكمن ويزداد الضغط داخله، قد تجد الكميات الفائضة طريقًا لتتسلل به إلى سطح الأرض عبر شقوق وفتحات الصخور، أو تطفو فوق سطح البحر إذا كان المكمن في أعماق المحيط، مما يشكل بحيرات نفطية على السطح. وقد اكتشف الإنسان هذه البحيرات النفطية قبل اكتشافه عملية الحفر بآلاف السنين. ولأن الإنسان لا يستطيع التوقف عن التفكير والابتكار، فإنه وجد العديد والعديد من الفوائد للنفط قبل أن يدرك أهمية النفط كمصدر للطاقة والصناعات.


المومياوات
قبل ٤٠٠٠ سنة كان هناك اعتقاد إن الموتى سيعودون يومًا للحياة في كثير من الحضارات كالفرعونية، اليونانية، الهندوسية والبوذية. ولهذا كان لابد من حماية أجسادهم من التحلل. اكتشف علماء الكيمياء القدامى شيء يسمى بالتحنيط استخدموا فيها موادا كيميائية لتجفيف الجسم الميت حتى لا يتعرض للعفن، ثم مواد لتغليفه من أجل حماية الجسد من التعرض للعوامل التي تؤدي للتحلل كالهواء والرطوبة والكائنات الدقيقة والتي يطلق عليها بعوامل التعرية. عملية التحنيط تحول الجسد الميت إلى ما نطلق عليه بالمومياء.
إن كنت قد زرت متحفاً للآثار ورأيت المومياء الفرعوني ستلاحظ إن لونها رمادي داكن إلى أسود. ولكن كيف أصبح غامقاً لهذا الحد ونحن نعلم أن العظام لونها أبيض؟ حتى إن لونها لا يشبه شيئا من البشر، ويجعلها تبدو وكأنها غير حقيقية.
في السابق كان العلماء يعتقدون أن اسوداد العظام نتيجة للأكسدة. لكنهم اكتشفوا بعد تحليلهم لعظام المومياء وجود مادة الاسفلت.
في الواقع، إن الفراعنة أطلقوا اسم مومياء نسبة إلى جبل في بلاد فارس حيث اكتشف الاسفلت. فكانت الأجساد تنقع بهذه المادة بالإضافة إلى مواد أخرى كالملح، وشمع النحل والصمغ المستخرج من أشجار الصنوبر.
طلي مواد البناء لحمايتها من المياه
يتميز الإسفلت بانه مادة شديد الالتصاق ومضادة للمياه. لهذا استخدم في عدة مدن قديمة في طلاء أسطح المنازل وأسوار المدن من أجل حمايتها من الأمطار وخصوصا في أفريقيا. وفقا للمؤرخين القدامى، فإن الاسفلت استخدم كذلك في حضارات الشرق من أجل بناء وتعمير الجدران والأبراج، منها حضارة بابل، ومملكة فارس.
قبل ١٠ آلاف سنة في منطقة الخليج العربي والعراق كانت هناك حضارة بدائية قديمة يطلق عليها حضارة العبيد، وهي من أقدم الحضارات في التاريخ. كان سكانها يطلون القوارب الصغيرة المصنوعة من أعواد القصب بمادة الاسفلت من الداخل والخارج من أجل حمايتها من الغرق. وكانوا يحصلون عليه من بحيرات النفط الموجودة في منطقة الصبية قديما. ويعتقد علماء التاريخ إن هؤلاء الناس هم أول من أبحر في التاريخ، حيث كانوا يبحرون داخل نطاق الخليج العربي بقوارب صغيرة من أجل الصيد وجمع اللؤلؤ. ومن ثم انتقلت هذه العادة إلى حضارة الفرس وبلاد الرافدين في طلي السفن الكبيرة، وسد الثغرات ولصق الألواح وذلك قبل ظهور هياكل السفن الحديثة المصنوعة من المعدن والألياف الزجاجية.
هل تعلم أن سكان حضارة العبيد هم أول من أبحر في التاريخ؟ وفي متحف الكويت الوطني ستجد بقايا القوارب التي كانوا يستخدمونها بالإضافة إلى تماثيل وكتابات تدل على قدرتهم على الإبحار.
في الحروب
استخدم الاسفلت لحماية أسوار القلعة في الحروب وذلك عن طريق تسخينه وسكبه على الجنود الذين يحاولون اختراق سور المدينة. ولكن هذه الطريقة لم تكن تستخدم كثيرًا وذلك لندرة النفط وارتفاع ثمنه. ومع مرور الزمن، ولأن الانسان كان مهتما جدًا بهيئة الاسفلت اللزجة والشديدة الاشتعال، استخدم الاسفلت في تصنيع القذائف المشتعلة. والفرس أول من استخدم هذه الطريقة في المعارك، حتى قام اليونانيين بتطويرها لتمزج بالكبريت والجير الحي وأطلق عليها بالنيران المميتة أو النيران اليونانية.
كيف استطاع الإنسان استخراج النفط من باطن الأرض؟
قبل ٢٠٠٠ عام في منطقة سيشوان بالصين، كان الصينيون يحفرون الآبار باستخدام أعواد خيزران ذات رؤوس حديدية من أجل استخراج المياه المالحة التي كانت تستخدم لإنتاج الملح. وخلال عمليات الحفر لم يعثر الصينيون فقط على المياه المالحة فحسب، ولكن بدأت نوافير من النفط والغاز الطبيعي بالتدفق مُبشِّرة بظهور عصر جديد من التطور البشري.
عرف الإنسان بعد ذلك إن هناك نفط مدفون تحت باطن الأرض، ولكنه لم يعلم بوجود المكامن بعد. فقاموا بحفر حفر تصل إلى عمق آبار المياه الجوفية من أجل استخراج النفط.
في القرن التاسع عشر، كان البشر في أوروبا يقومون بصيد الحيتان من أجل لحومها، واستخلاص الزيت المستخدم في الإضاءة. هذه المهمة كانت صعبة جدًا ومميتة والتي كانت تنضم من قبل أساطيل ضخمة حتى صارت من أكبر الصناعات التنافسية في العالم. وفي عصر الاكتشافات استطاع الإنسان استبدال العديد من مصادر الطاقة بالنفط، منها مصابيح الكيروسين.
عندما اخترع الإنسان السيارة ذات المحرك في بداية القرن العشرين وازداد الطلب عليها بأرقام قياسية، ازهرت صناعة النفط بشكل ملحوظ وغيرت اقتصاديات وتوجهات الدول وخصوصا في أمريكا. أصبح التوافد على العمل في القطاع النفطي هائلا، حيث كانت تنشأ مدن حديثة في الولايات المتحدة قائمة على استخراج النفط من الآبار الضحلة. في عام 1901 وفي ولاية تكساس بالتحديد، ما إن قام عمال حفر آبار بحفر الأرض لعمق أكثر من المعتاد عن طريق الصدفة حتى غمرتهم نافورة من النفط والوحل وعرف الإنسان إن النفط محبوس في أعماق الأرض وبدأت الشركات تتهافت على تطوير مجال الحفر والتي أخذت مئات السنين من أجل أن نصل إلى هذا التطور في يومنا الحالي.